top of page
arabic_odyssey_280x240_white.png

د. جولان موشي لاهط

يأتي مفهوم الأوديسبا من القصيدة اليونانية الأسطورية القديمة المنسوبة إلى الشاعر هوميروس (الذي يشك أنه كان أسطوريا) التي تحكي قصة أوديسيوس (Odysseus باليونانية ، و- Ulysses

باللاتينية)، أحد أبطال حرب طروادة. تتجدث القصيدة عن رحلة عودة أوديسيوس بعد الحرب في طروادة إلى بيته في إيثاكا، وهي رحلة مليئة بالصعاب النفسية والجسدية على حد سواء: فقدان
الأصدقاء في الرحلة، اللقاء مع عملاق أعور، الوقوع في حب حورية، بالإضافة إلى الشوق الشديد لامرأته وإبنه اللذين ينتظرانه في البيت.

تعد الأوديسيا، إلى جانب الإلياذة التي سبقتها وتصف تاريخ الحرب اليونانية ضد أحصنة طروادة، من بين المؤلفات السردية الأولى في الثقافة الغربية عامة والثقافة اليونانية الكلاسيكية خاصة. ما يميز الأوديسيا هو أنها ليست مجرد وصف لرحلة في المكان فقط، بل أنها تروي بدقة وبتفصيل شديدين عن رحلة عاطفية مثيرة تمر بها الشخصيات الرئيسية في الحبكة، ما يمكننا من اكتشاف دوافعها ووجهات النظر وراء اختياراتها. مثلا، أصبح أوديسيوس لاحقا رمزًا للفكر العملي المرن والنفعي - الذي نجح في إعادته إلى البيت، أي الحصول على مبتغاه - ورمزًا للخداع الحقير الذي يدل على تقديس الوصول إلى الهدف أي كانت الوسائل.

كونها رحلة في المكان وفي النفس البشرية، تفتح لنا الأوديسيا المجال لاستكشاف أحد أعمق مفاهيم الوجود البشري - الوقت، أو الزمن. ما هي الرحلة إن لم تكن وصفًا للتغييرات العقلية والعملية؟ وما هو الوقت إن لم يكن رابطا لهذه التغييرات بشكل ما؟ لنأخذ على سبيل المثال الفكرة التي سبق وكانت متجذرة لدى القبائل ما قبل الحداثة، أن الوقت هو ليس إلا نمط دائري ليست التغييرات الطبيعية فيه (تبدل الفصول، دورات النهار والليل) سوى دليل على أن الواقع يعيد نفسه إلى ما لا نهاية. بالمقابل، عبر الإنسان في العصر الحديث عن اعتقاده أن باستطاعته إحداث تغيير خطي، لانهائي ربما، نحو التقدم وتحسين السلوك الأخلاقي، من خلال العدالة في مجتمعه والوسائل التكنولوجية المتاحة له بالطبع. هذا بالإضافة إلى التفكير في أنماط زمنية تجمع بين الدائري والخطي. إدعى الفيلسوفين الألمانين فريدريك هيجل وكارل ماركس في القرن التاسع عشر أن الواقع البشري (الروحي للأول والمادي - الاقتصادي للثاني) لا بد أن يتقدم ديالكتيكيًا، أي أن التقدم لا يحدث خطيًا، بل بشكل معقد وتدريجي ومتناقض بين قوى متعارضة (الوعي بالعبودية مقابل الحرية لدى هيجل، أو قوى الطبقة العاملة مقابل البرجوازية لدى ماركس).
أيًا كانت أشكال السفر عبر الزمن، من الواضح أنها من بين الوسائل الأساسية لفهم وتوجيه طرق حياتنا. في حين ينطبق هذا على البشر بشكل عام، يبدو أنه ينطبق على الشبيبة الموهوبيين الذين بدأت رحلتهم الفكرية والعاطفية والاجتماعية للتو، وهم متجهين صوب رحلة مليئة بالصعوبات والتحديات والأفكار وعلى أمل أن تكون مليئة بالنجاحات المبهرة أيضا - علينا تزويدهم بكل ما هو ضروري للنجاح في الأوديسيتا التي تنتظرهم

* د. جولان موشي لاهط هو محاضر في مساق العلوم السياسية في جامعة تل أبيب والمدير الأكاديمي لبرنامج إيدياه في جامعة تل أبيب.

bottom of page